شاركت السيدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في لقاء مشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدول بعنوان “خطوة واحدة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء: أزمات متعددة تؤخر تقدم المرأة في لبنان”، المحادثة و الالتزامات بين حكومة لبنان والبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويهدف هذا اللقاء إلى التأكيد على أهمية وضع حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في صلب أجندة الإصلاح في لبنان، وفي سياساته وإجراءاته الإنسانية والإنمائية والمتعلقة بالسلام والأمن. وتمّ خلال اللقاء إطلاق تقريرين متكاملين وصادرين حديثاً قام بإعدادهما البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. التقرير الأول هو عبارة عن تحليل قطري تشخيصي حول النوع الاجتماعي من إعداد البنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة مع التركيز على التحصيل البشري والقضايا الاقتصادية المتعلقة بالمرأة. أما التقرير الثاني والذي أعدّه الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يستند بشكل كبير إلى التقرير الأول، ويقدم رؤى إضافية مستخلصة من الحركة النسائية المتنوعة في لبنان والمجتمع المدني، كما يقدم توصيات لتطوير أجندة إصلاحية في لبنان تستجيب لاحتياجات النساء الخاصة.
وألقت السيدة عون كلمة قالت فيها: “تتسم الصورة التي نكونها عن وضع المرأة في لبنان بالتناقض. فمن جهة تظهر نساء لبنان بأنهن متمكنات قادرات، يشغلن مراتباً عالية في القضاء وفي المهن الحرّة، ومن جهة أخرى، نرى أن مساهمتهنّ في القوى العاملة تكاد لا تصل إلى نسبة الربع، نرى في تعداد الحكومة السابقة، نائبة لرئيس مجلس الوزراء، ونرى برلماناً لا تصل نسبة النساء فيه إلى الخمسة في المئة. نرى تفاوتاً شاسعاً في مداخيل الفئات المجتمعية ونرى أيضاً تفاوتاً في مؤشرات التنمية البشرية بين المناطق. نرى أن في لبنان تكاد تتساوى بين النساء والرجال شروط الاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية، ونرى أن البلد يندرج عالمياً ضمن المراتب العشرة الأخيرة من حيث قياس الفجوة بين الجنسين. إلى ذلك نرى اليوم أن التراجع الذي نشاهده منذ أكثر من عامين في المستويات المعيشية ينعكس سلباً على كافة المؤشرات الدالة على أوضاع النساء.”
وتابعت: “نعم، في الأمر تحدٍّ لكل من يعمل جاهداً منذ سنوات للنهوض بأوضاع النساء. نشعر بالأسف عندما نرى زيادة في حالات العنف الذي يرتكب بحق النساء خلال الحجر الصحي بسبب انتشار الجائحة. ونشعر بالأسف أيضاً عندما نرى أرقام البطالة لدى النساء تزيد عن معدلاتها لدى الرجال منذ بداية الأزمة متسببة بخفض مستويات مشاركة النساء في القوى العاملة، في حين كنا نتطلع ونسعى إلى تحقيق الهدف الذي وضعه البنك الدولي لبرنامجه الإقليمي لتمكين المرأة في المشرق وهو زيادة هذه المشاركة بمعدل 5% بحدود العام 2024.
نعم، يبدو الوصف المعتمد للقاء اليوم حول تقدم أوضاع النساء في لبنان على أنه مطابق لما تشير إليه الأرقام : “خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء.”
وأضافت: “لا شك في أن الأزمات تؤثر دائماً بشكل أقسى على الفئات الأضعف في المجتمعات ولا شك أن النساء هن من الحلقات الضعيفة في المجتمع اللبناني. لكننا نعلم أن النتائج في مجالات التنمية البشرية لا تقاس فقط كمياً ولا تكفي الاستعانة بالأرقام لرسم صورة الواقع. وخلال العامين الماضيين، وعلى الرغم من مضاعفات الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية والسياسية، تم تسجيل خطوات ايجابية هامة في الساحة اللبنانية بالنسبة إلى أوضاع المرأة. فقد اعتمدت الحكومة في أيلول 2019 خطة وطنية لتطبيق القرار 1325 حول المرأة والسلام والأمن وقامت الهيئة بتنسيق تنفيذ التدخلات التي نصّت عليها للعامين 2020-2021 على الرغم من التحديات والأزمات التي تمرّ بها البلاد وهي بطور التحضير لتنفيذ تدخلات العام 2022. وضمت الحكومة السابقة لأول مرة في لبنان، ست وزيرات، وأقر المجلس النيابي قانوناً يجرم التحرش الجنسي، ووافق المجلس على بعض التعديلات القانونية التي طالبت بها الهيئة الوطنية ووزارة العدل ومنظمة “كفى” لتوفير حماية أفضل للنساء المعنفات، وتم اتخاذ اجراءات لتسهيل التقدم بالشكاوى في حالات العنف الأسري (مثل قبول الشكاوى المقدمة بواسطة البريد الإلكتروني خلال فترات الحجر الصحي).
ولا ننسى أن النساء اللبنانيات شاركن بأعداد كبيرة في التحركات الشعبية الاحتجاجية في 17 تشرين الأول 2019 وبعده، وقمن بأدوار فعالة ومتنوعة في المبادرات التضامنية لنجدة ومساعدة المتضررين من جراء انفجار المرفأ. ونذكر أيضا” انه على الرغم من صعوبة التواصل الهاتفي والالكتروني وعلى الرغم من صعوبة التنقل، لم يتوقف نشاط المنظمات النسائية في المجتمع المدني ولم يتوقف نشاط الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية على صعيد حملات التوعية على قضايا النوع الاجتماعي بشكل عام، وعلى صعيد كسب تأييد صانعي القرار في الحكومة والمجلس النيابي للإصلاحات التشريعية والإدارية لتحسين أوضاع النساء. نذكر مثلا الاقتراحات لتعديل قانون العمل ولتضمين قانون الانتخابات النيابية كوتا نسائية، وغير ذلك من الاقتراحات. ونشير أيضا” هنا الى ان في هذه الفترة كثّفت الهيئة جهودها بنوع خاص في مجال العنف الاسري فرمت من جهة الى تعميق الإحاطة بهذه الظاهرة بغية تصويب الأساليب المعتمدة في مكافحتها، وسعت من جهة أخرى الى تسهيل وصول المعنفات الى العدالة والى توفير تدابير أكثر فعالية لحمايتهن. كذلك أعارت الهيئة في هذه الفترة اهتماما” خاصا” للتعاون مع البلديات في شتى المناطق وعمدت، بمساعدة المنظمات الدولية والصديقة الى تنفيذ برامج تمكينية للسيدات في البلديات والى مساعدتهنّ على المبادرة الى تصميم وتنفيذ مشاريع إنمائية في بلداتهن.”
وأكّدت: “لا يعني عرضنا هذا أننا غافلون عن التأثير السلبي الذي تستتبعه الأزمات الحالية على المرأة، على صحتها، كما على إمكاناتها الاقتصادية، وعلى الفرص المتوفرة لها لاكتساب العلم والخبرة، وللعمل وتحقيق استقلالية ذاتية تستطيع معها تمكين شخصيتها. إننا مدركون تماماً للمخاطر التي تهدد مكتسبات النساء في بلادنا خاصة إذا استمرت الأزمات في التفاقم وإذا ما طال انتظار الحلول. إنما ما نستطيع تأكيده اليوم هو أن هناك دلائل تشير إلى أنه خلال العقد المنصرم حصل تطور إيجابي في النظرة المجتمعية إلى المرأة خاصة لدى فئة الشباب والشابات بالنسبة إلى العديد من القضايا. فالمواقف من ممارسة العنف على النساء باتت في غالبيتها شاجبة له ولم يعد عمل المرأة خارج المنزل مرفوضاً . كذلك نلاحظ بعض التحول في الإعلام والإعلان، للصورة النمطية للمرأة حيث تظهر النساء اكثر قدرة وحكمة وجرأة. نستطيع أيضاً أن نؤكد أن النساء الناشطات في لبنان اليوم عازمات على المضي في مسيرة التقدم على الرغم من الظروف المعيقة. فقد علمنا التاريخ أن مسار التقدم لا يتبع خطاً مستقيماً إنما حركته تبدو، وكأنها حركة لولبية تخالها في تراجع في حين تكون منطلقة من جديد إلى الأمام. ونحن نرى اليوم أن عوامل عديدة تدفع إلى حصول تغيرات على أصعدة مختلفة في المجتمع اللبناني وآمالنا كبيرة على أن تأتي هذه التغيرات معززة لموقع النساء فيه.”
وختمت: “أشكر البنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد الأوروبي لدعمهم لنساء لبنان كما أشكركم على تنظيم هذا اللقاء”.