مشهد موسيقي إنساني راقٍ في باحة مستشفى بعبدا،الكونسرفتوار الوطني يداوي جراح الوطن بالموسيقى..القوّاس: قصةَ اتّحادٍ خلاقة نقدمها أمثولة للعالم
Share
في لقاء فريد من نوعه بين الموسيقى والإنسانية، وفي مشهد حضاري يبعث الأمل بقيامة لبنان الثقافة والحضارة، استضافت باحة مستشفى بعبدا الحكومي الجامعي ليل أمس، على مسرح أنشئ خصيصاً للمناسبة، الاحتفال الموسيقي Music Heals برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى ووزير الصحة الدكتور فراس الأبيض، وبالتعاون مع مستشفى بعبدا بشخص مديره العام فريد الصباغ. مشروع متكامل أطلقت فكرته رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتورة هبة القواس، وذلك ضمن الاستراتيجية الجديدة للنهضة بالكونسرفتوار الوطني التي بدأت بها منذ تسلمها مهامها الرئاسية للمعهد، والتي تعمل على إنجازها من ضمن خطة متكاملة تقتضي باستعادة ازدهار الصرح الموسيقي الوطني وحضوره الفاعل عبر أوركستراته وموسيقييه وموظفيه وإدارييه. فكان الاحتفال الموسيقي الراقي، ليستكمل خطة النهوض الفعلية ويكون انطلاقة سلسلة حفلات ستقدّم دورياً بأهداف إنسانية نبيلة أبرزها تغطية استشفاء جميع العاملين في الكونسرفتوار من خلال عائدات الاحتفال للمستشفى.
في مشهدية شديدة الحميمية والخصوصية، استطاع الاحتفال أن يخترق النفوس التائقة إلى الموسيقى الراقية التي صدحت في المسرح المبني خصيصاً في باحة المستشفى، والذي تحول عبره المكان المخصص للاستشفاء إلى إطار فريد للشفاء بالموسيقى. كرّس هذا المناخ المعبّر قدرة الموسيقى على الانسيابية الروحية وقدرة تفاعلها مع الجمهور الذي عبّر عن تفاعله وسعادته باستعادة الأنشطة الموسيقية الثقافية الهادفة والتي تشيع أجواء الأمل والفرح بلبنان كما اعتاد عليه اللبنانيون. وأثبت ذلك برنامج الاحتفال الموسيقي الجديد من نوعه لناحية دمج موسيقى الأوركسترا الفيلهارمونية وموسيقى الأوركسترا الشرقية اللتين أبدعتا بتأديته عزفاً وقيادة وغناءً مع المشاركين في العمل. وأضفى ديكور المسرح والإضاءة المميزة على العمل بعداً فنياً عالياً ووطنياً ساحراً مع المشاهد الطبيعية والفنية والثقافية من لبنان التي كانت تبث عبر شاشة عملاقة. ما حوّل المكان إلى عالم مختلف عما هو عليه، نقل الحاضرين إلى عوالم من الدهشة، محققاً الهدف المنشود للعمل الموسيقي وهو الشفاء بالموسيقى.
وليس جديداً على المبدعين اللبنانيين إطلاقهم مثل هذه المبادرات الثقافية والإنسانية، التي أثبتت أنها الأقدر على المساهمة في الخروج من النفق، ولا سيما إذا حظيت بدعم داخلي وعربي كما حصل مع مشروع Music Heals الذي لقي مساندة من العديد من الأيادي البيضاء، كما تلقفه بمحبة وعطاء الداعم الرئيسي لهذه المبادرة سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان ممثلة بمعالي السفير وليد البخاري.
حضر الاحتفال جمهور من الداعمين والمثقفين والمبدعين والإعلاميين والدبلوماسيين والسياسيين: وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض، ، النواب فادي علامة آلان عون وملحم رياشي، سفير المملكة العربية السعودية الوزير المفوض وليد البخاري، سفير تونس بوراوي الامام، الرئيس فؤاد السنيورة، محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي، رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، المدعي العام لديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس، رئيس بلدية بعبدا المحامي أنطوان الحلو، القاضي وسيم أبي سعد وغيرهم من الشخصيات والوجوه السياسية والثقافية.
افتتحت الحفل، الذي نقل مباشرة على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال الداعم والشريك الإعلامي للمشروع، د. هبة القواس التي رحبت بالحضور وشرحت أهداف المشروع الإنساني بكلمة مؤئرة جاء فيها: “لأن الموسيقى سرٌ من أسرارِ التكوين أؤمن بأن الموسيقى خلاصُنا..
في هذا الوطن الذي يحتاجُ كلَّ طاقتِنا الخلاقة في زمنٍ أصبح الاعتمادُ على الدولةِ وحدَها أمراً يثقلُ مسيرتَنا الإنسانية ومسيرةَ وطنِنا على حدٍّ سواء، نتّحدُ معاً لنقدمَ للعالمِ صورةً تعكسُ حقيقةَ لبنان وحقيقةَ اللبناني رغم كل ما يُبثُ خارج إرادتِنا من صورٍ لا تمثّلنا.
أؤمن بأنّ الموسيقى خلاصُ الإنسان، رغم أن المعهدَ الوطني العالي للموسيقى يصارعُ لأجلِ هذا الخلاص، وهو الأمرُ الذي جعلني أشعر ُ بمهابةٍ حين أصدر معالي وزير الثقافة قرارَ تكليفي برئاسة الكونسرفتوار، وفي الوقتِ نفسه، أصبح هذا التكليف بالنسبة لي مهمةً وطنيةً في زمنٍ نصارعُ فيه للحفاظِ على هويتِنا وعلى دورِنا اللبناني الحضاري منذ الأزل. لذلك جئنا اليوم مجتمعين نحن الكونسرفتوار ومستشفى بعبدا الجامعي الحكومي، لنقدمَ للعالم قصةَ اتحادٍ خلاقة. ففي زمن ٍصعُبتْ جميعُ الحلولِ على مؤسساتنا الحكومية، تتحدُ مؤسستان حكوميتان ليقدم معهدنا الريعَ من خلال الحفل الموسيقي ويقدمُ هذا المستشفى الجامعي العريق الاستشفاءَ لجميع العاملين في الكونسرفتوار.واليوم نقدم نموذجاً عن الموسيقي المدير الذي يدير هذا المستشفى من خلال عقل المؤلف والموزع.
وأضافت القواس: “هي المرة الأولى اليوم يندمج موسيقيون من الأوركستراتين لتشكّلا أوركسترا هادفة لنمط الموسيقى التي تُعزف الليلة. ونحن، ومع كل حرصِنا على التراثِ الموسيقي اللبناني والعربي والربيرتوار العالمي الكلاسيكي، والذي سنكملُ تقديمَها بشكلٍ دائم عبر موسم الأوركسترات السنوي، إلا أننا سنعملُ على الإهتمامِ بالموسيقى اللبنانيةِ والعربية الجِدية المعاصرة بكل أشكالها.” وشكرت القواس كل المساهمين والداعمين وعلى رأسهم سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري، أصحاب السعادة محمد وهدى كانو، دولة الإمارات العربية، سفير جمهورية مصر العربية د. ياسر علوي سفير جمهورية تونس بوراوي لِمام ورئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال الشيخ بيار الضاهر”.
وفي كلمته شكر وزير الصحة د. فراس الأبيض الجهتين اللتين اتّحدتا لإقامة الاحتفال ووجه تحية للمستشفيات الحكومية في لبنان ولاسيما مستشفى بعبدا الحكومي على الدور الوطني الذي يضطلع به. وأثنى على المجهود الذي تقوم به القواس والكونسرفتوار الوطني بدعم وإحاطة من وزير الثقافة على العمل المميز الذي قدموه. وقال: “نستحق ان نبتعد قليلاً عن أجواء الأزمات في البلد ولا سيما الكوليرا لننتقل الى جو آخر ولو لفترة بسيطة، جو بعيد عن الأمراض ويعالجنا نفسياً وجسدياً في هذه الأمسية المميزة Music Heals“.
وكانت كلمة لوزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، ومما جاء فيها: ” الثقافة ليست ترفاً ولا رفاهية، بل هي الحياة بكل تجلياتها السعيدة والحزينة. وليس أدل على صحة ما أقول من حفل ثقافي راقٍ في وطن تتنازعه الأزمات، ويعصف بمؤسساته الفراغ والشقاق، ويتحاور شبابه على الشاشات بالقبضات والحناجر العالية. هنا تتعملق حركة ثقافية وتنمو أدباً وفناً جميلاً وموسيقى وأفلاماً ومسارح وسوى ذلك من مساحات الإبداع الراقي. ولقد كان ينبغي لهذه الصورة البهية للثقافة إطار جميل نعلقها على حائط الوطن. ولقد كان ينبغي لهبة القواس وأعضاء الأوركسترا أجمعين أن يصنعوا لها إطاراً جامعاً كتخت موسيقي يضم آلات عديدة إلى رونق اتساق وتناغم، فإذا بهم يختارون الإطار الاجتماعي الوطني الذي همه الفقراء وصحة الفقراء. واذا بهم يقررون أن تكون غاية هذا الحفل مداواة وجع وسعياً على شفاء مريض”…
ثم انطلق الاحتفال الموسيقي مع الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج بمقطوعة موسيقية “قمر 14” ألحان أنطوان فرح، وغناءً مع الفنان أنطوان وديع الصافي باستعادة غنائية موسيقية راقية من ريبيرتوار الكبير الراحل وديع الصافي وأغنيات: “لبنان يا قطعة سما (شعر يونس الابن، ألحان وديع الصافي) رح حلفك بالغصن (شعر ميشال طعمة، الحان الأخوين رحباني) لا عيوني غريبة (شعر سليم مكرزل الحان وديع الصافي). ثم أغنيتان بصوت الفنان جوزيف عيسى: بقا عايز تنساني (شعر عبد العزيز سلام، الحان فريد الأطرش) يا مسافر وحدك (شعر حسين السيد الحان محمد عبد الوهاب).
واعتلت المسرح في القسم الثاني من الاحتفال الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي في تحية خاصة للمسرح الغنائي للأخوين الصباغ وبمشاركة على البيانو للمؤلف الموسيقي فريد الصباغ، وغناءً الفنانة كارين رميا بأغنيات من الأعمال المسرحية للأخوين الصباغ وهي: حلمي شوفك وطن (من المسرحية الغنائية ” من أيام صلاح الدين”) لاقينا (من المسرحية الغنائية “حركة 6 أيار”) لو حياتي مسرحية (من المسرحية الغنائية “الطائفة 19”).
وقدم الفنان يوسف الخال أغنيات من أعمال الصباغ ايضاً منها منفرداً ومنها بمرافقة رميا وهي: ممثل بهالحياة (من مسرحية “حركة 6 أيار”) نام وارتاح يا رفيقي– تمرد، صح النوم، وبدنا نكسر القرار (من المسرحية الغنائية “الطائفة 19”) .